الاثنين، 3 سبتمبر 2012

مآل الربيع العربي








ظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من المقالات والتحليلات التي تخص الربيع العربي وتجلياته على الساحة الدولية , بعضها لامس المنطق جزئياً وبعضها الآخر كان أقرب لصوغ أحلام الكاتب منها للواقع , والبعض الآخر مجرد تلفيقات إعلامية كالمقابلة المصطنعة مع الرئيس الأميركي الأسبق هينري كيسنجر على الموقع الساخر" ديلي سكيب daily squib" والتي قامت العديد من المواقع ووسائل الميديا بتبنيها ونشرها تباعاً .
هناك جملة من الأسباب التي اعتمد عليها المحللون والمفكرون لتفسير الحراك الثوري العربي , ومن أهم ما تم تداوله بهذا الشأن سببان : الغاز وحصار آسيا وروسيا إسلامياً ، وسأناقش عدم كفاية السببين للتفسير بعيدا عن التسريبات وتحليلات مراكز الأبحاث .
قضية الغاز لا تشرح الحدث كاملا لعدة أسباب:
1- الإشكالية هي هنا روسية بحتة ولا تأثير لخطوط غاز المتوسط على الصين ودول البريكس التي وقفت بحزم أمام المشروع الغربي الداعم للحراك الثوري .
2-الاقتصاد الصناعي بحاجة ماسة لجميع مصادر الطاقة ولا يمكن للدول الصناعية الاكتفاء بمصدر واحد بل هي بحاجة لجميع الأسواق الروسية و القطرية والشرق أوسطية.
3-لو فرضنا أن روسيا تمسك بخناق أوروبا عبر تحكمها بتصدير مجمل احتياجاتها من الغاز إليها، فهذا يفسر جانباً من المشكلة , ولكنه لا يفسر الرغبة الأميركية بإحداث الإنقلاب في المنطقة , ومن المعلوم أن القرار الأوروبي يأتي لاحقا للقرار الأميركي وهو تحصيل حاصل لا أكثر , فالقيادة ستبقى أميركية ولا تأثير للغاز الروسي على القرار الأمريكي .
4-العالم بدأ بالتحول تجاه استخدام الطاقة البديلة وحتى إقالة المفاعلات النووية عن الخدمة ، ودولة كألمانيا تسعى إلى تأمين 80 % من احتياجاتها من الكهرباء بالاعتماد على الطاقة المتجددة بحلول عام 2050 , أي لن يكون للغاز والنفط هذه الأهمية على المدى البعيد.
فرضية تسليم السلطة في منطقة الشرق الأوسط للإسلاميين لحصار روسيا والصين أيضا غير مقنعة للأسباب التالية:
1-وجود عائق شيعي لا يمكن تجاوزه في العراق وإيران يمنع التمدد باتجاه الصين .
2-الهند لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التمدد فيما لو حصل وهذا سيدفعها للتحالف مع غريمتها الصين , ولكم أن تتخيلوا حجم هذا التحالف من حيث المقدرة البشرية والاقتصادية والمعرفية والعسكرية .....
3- لا يمكن الإنكار بأن مشروع الخلافة الإسلامية يشكل تهديدا للأمن القومي الروسي , ولكن أوروبا لن تكون بمنأىً عن التهديد ولا يزال حصار فيينا ماثلا في الأذهان , صحيح أن تبعات الحصار أوقفت التمدد العثماني باتجاه الغرب , ولكن مرد الهزيمة على أعتاب فيينا لم يكن الإخفاق العسكري للعثمانيين بل كان بخيانة من قلب الجسد العثماني ولولا هذه الخيانة لربما كان الفاتيكان الآن يدين بدين الإسلام , فهل بإمكان الأوروبيين ضمان خيانة جديدة فيما لو وصلت طلائع المقاتلين المسلمين إلى أعتاب فيينا من جديد ؟
4-المسلمون في حالة عداء شديد مع الدولة العبرية وتكتلهم يشكل أكبر تهديد لهذا الكيان ولن يقتنعوا باحترام المعاهدات واتفاقيات السلام المبرمة سابقا معها ، وسيعملون على زعزعة الوضع الأمني الهش أساساً.
إذا ما هو السبب الدافع لدى الغرب لدعم الحراك الثوري العربي , وانقلابه المفاجئ في تعامله مع التيارات الإسلامية وإخراجها من دائرة الإرهاب إلى دائرة المظلومية , ومدها بكل أشكال الدعم حتى على مستوى القرار الأممي ؟
الإجابة ببساطة هي الدفع باتجاه الفوضى الخلاقة. من الواضح أن هناك رغبة غربية بخلق الفوضى في المنطقة وإخراجها من قمقم الشرق الأوسط وتوسيع الخلافات الأممية عبر تولية القوى والأحزاب الإسلامية شؤون المنطقة.
المسلمون مدفوعون بحقد أعمى على الحضارة الغربية والشرقية بسبب الهوة الاقتصادية والمعرفية الهائلة التي تفصل بين هذه العوالم والعالم الإسلامي , وبرغبة حثيثة لاستعادة المجد التليد بعد تقلص وتشرذم الامبراطورية الإسلامية , ولن يتورعوا حال تكتلهم عن التعدي على الأمم المجاورة تحت عناوين شتى : الجهاد وفتح البلاد وإعلاء لا إله إلا الله ....
إن كانت الفوضى هي المسعى الغربي فمن هي الأطراف المستفيدة وما الذي يسعى له الساسة الغربيون من وراء الفوضى ؟
هي الرغبة في إشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة , حرب ستطال الجميع , لن تكون كسابقاتها بل ستكون كيوم الدينونة من أهوالها , ستستخدم الجيوش كل ما أنتجته وخبأته في ترساناتها من أسلحة تقليدية وغير تقليدية , لن يكون تعداد ضحاياها عشرات الملايين بل المليارات.
بالتاكيد لن تكون الشعوب هي الطرف المستفيد من هذه النزاعات ولن يكون هناك نصر لأمة على أمة , فويلات الحرب سترخي بظلالها على جميع الأطراف , بل هم النخبة العالمية من رجال المال والساسة وصانعي القرار من سيترقبون الأحداث من علٍ وعندما تصل البشرية إلى لحظة اليأس من حل النزاع ومن تحقيق أي نصر يرتجى , سيفرض الساسة مبادرتهم لحل الأزمة بحل نظام الأمم المتحدة وإعلان نظام عالمي جديد وحكومة عالمية موحدة , المرحلة القادمة لن تكرس حكم الأقطاب بل حكم الأفراد , لن يكون بعدها امبراطوريات , بل أباطرة يحكمون العالم.
هناك الكثير من الدلائل التي بإمكاننا الركون إليها لتوقع الحرب وعليها نبني توقعنا بإنشاد النظام العالمي الجديد:
1-الكلام عن النظام العالمي الجديد تحدث عنه الساسة الأمريكان كثيرا وذكره بوش الابن في عدة مناسبات.
2-الظروف التي نشأت بها الأنظمة العالمية كعصبة الأمم والأمم المتحدة إبان نهاية الحربين العالميتين توحي بأن النظام القادم لن ينهض إلا على أشلاء قتلى الحرب القادمة.
3- الهدف الذي صرح به الامير فيلبس زوج الملكة اليزابيث عام 1988 م، من أن عدد سكان العالم يجب ان لا يتجاوز المليار نسمة.
4- النظام العالمي الجديد "new world order" موجود على العملة الورقية من فئة واحد دولار , وكأن هذا النظام معد له منذ أن تأسس النظام المالي الأميركي.
إن كل ما سبق ذكره يعيدنا لكلام الفيلسوف صمويل هنتنغتون ونظريته عن صراع الحضارات :
" إن اللاعبين السياسيين المركزيين في القرن الحادي والعشرين سيكوّنوا الحضارات وليس الدول القومية".
لا شك أن المحطة السورية هي من أهم محطات الفوضى الخلاقة لا بل وأهمها , ونجاح أي طرف فيها سيفرض على بقية الأطراف الامتثال لشروطه , ولن تقف الأمور عند حدود الفوضى الداخلية ولن تنتهي بانتهاء الأعمال المسلحة , فالحسم الأمني جارٍ على قدم وساق , والمسعى كبير والمخطط أعظم ولن تتورع الأطراف الدولية عن إعلان الحرب من طرفها , فالمستقبل مرهون بانتصار وكلاءها في سورية. وسيبقى التساؤل مطروحا , هل سينجح الغرب في مسعاه لتأجيج نار الفوضى وإطالة ألسنة اللهب أم سيتمكن الشرق من إخمادها وإعادة صياغة النظام العالمي الجديد بقلم آخر.

د. أيهم الأسعد

 

يسمح لكم بنقل الموضوع بشرط ذكر المصدر : مآل الربيع العربي | صوت العقل والفكر الحر
 
ساهم في نشر الموضوع ولك جزيل الشكر !

أضف تعليقك عن طريق الفيسبوك :

التعليقات :

إرسال تعليق

رجاء تجنب استعمال التعليقات لبث روابط إعلانية. كذلك ننبه إلى ضرورة الالتزام بصلب الموضوع وعدم الخروج عليه حتى لا يفقد الموضوع أهميته.